العلاج المعرفي لحالة الإكتئاب بحث pdf



العلاج المعرفي لحالة الإكتئاب


1-   معطيات عامة:
      يصيب الإكتئاب جميع الفئات العمرية بل حتى أن هناك بعض الحيوانات (الثدييات على الأخص) تصاب بالاكتئاب والميولات الانتحارية، إما بشكل فردي أو جماعي. كما أن الإنسان قد يعيش لبعض اللحظات حالة يغير فيها مزاجه وتسيطر عليه بعض الأفكار الاكتئابية، مادامت الحياة مليئة بالمشاكل والأحزان ومخاطر فقدان أفراد عزيزين (مرض، موت، حوادث، كوارث ...) ينتج عن هذه العوامل تغيرا على مستوى الأحاسيس والمشاعر والأمزجة. هناك من يستطيع تقبل الوضع والتأقلم مع الوضعيات الجديدة وهناك من لا يستطيع ذلك. فالإختلاف بين الأفراد إذن راجع بالدرجة الأولى إلى درجة تحملهم لهذه المشاكل والأحزان.

   وفد سبق لبرادلي أن لاحظ (Braddeley, 1994. P: 734) أن هناك اتجاه نحو تذكر الذكريات الحزينة بسهولة عندما نكون حزينين، والذكريات السعيدة عندما نكون سعداء. وهكذا فالمصابون بالإكئتاب يميلون إلى استحضار الأحداث الحزينة بالخصوص، الشيء الذي يساهم في اكتئابهم أكثر وفي الزج بتفكيرهم في اتجاه سلبي. ويسمح بتدخل العلاج المعرفي في تكسير هذه الدائرة الجهنمية التي يعيشها الشخص المكتئب.

  يمكن أن ترجع أسباب الإكتئاب إلى ما يلي: العامل الذاتي والمتمثل في عدم قدرة الفرد على التوافق والانسجام والتأقلم مع الوضعيات الجديدة، والعوامل المسببة للضغط، والعامل الموضوعي الذي قد يكون مرتبطا بخلل في كيمياء الدماغ وفي إفرازاته ووظائفه. إن الحديث عن الإكتئاب هو حديث عن مستويات ودرجات: قد يكون اكتئابا خفيفا، وقد يصل إلى أعلى درجاته المتمثلة في الإكتئاب الحاد. ويمكن تحديد بعض المظاهر الإكلينيكية في العناصر التالية:

-         الإحساس بالحزن العميق بدون أسباب معقولة أو منطقية أو موضوعية؛
-         اضطراب في النوم؛
-         فقدان الشهية؛
-         عدم التفاهم مع الآخرين أو التعاون معهم؛
-         معاقبة الذات والإحساس بالذنب؛
-         العزلة؛
-         الإحساس بالألم في بعض مناطق الجسم.

  ومن أهم هذه الأعراض وأكثرها شيوعا هو فقدان الإهتمام والانسحاب، حيث يفقد الشخص المكتئب  الإهتمام بكل شيء: بحياته الاجتماعية والمهنية والعاطفية، وتبدو له الأيام متشابهة ويحس بضعف في نشاطه الجنسي، ووبطء في إيقاع الحياة ويحس وكأنه يدور في حلقة مفرغة، كما يجد صعوبة في الاستيقاظ في الصباح والنوم في المساء. وقد يصل إلى أقصى درجاته عندما يدخل المكتئب تجربة الأفكار الانتحارية. وعندما يدخل المكتئب دوامة الإحساس بالفشل، يجد نفسه في وضعية جامدة وفي دائرة يصعب الخروج منها، وكأنه في سجن أو حفرة. ويعاني المكتئب، على المستوى المعرفي، من عجز في معالجة المعلومات، كما يتعامل معها بانتقائية. فهو يهمل المعلومات الإيجابية وينتبه فقط إلى المعلومات السلبية، بل قد يؤول هذه المعلومات ويفسرها بشكل سيء وغير ملائم للسياق، وذلك قصد البحث عن مبرر أو ذريعة لأفكاره الإكتئابية (Christel, 2000. P: 86).

   وفي دراسة مست ست دول أوربية شملت 14000 شخص لتوضيح حجم الإكتئاب في الأوساط الاجتماعية، إلى وجود 17% ممن مروا من تجربة الإكتئاب. وجاء التوزيع الإحصائي على الشكل التالي:

-         الإكتئاب الحاد: 69%؛
-         الإكتئاب الحفيف: 1.8%؛
-         8.3%، يشتكون من أعراض اكتئابية ناتجة عن ضغوطات حياتهم المهنية أو الإجتماعية.
-    20 إلى 25% من النساء ومن 7 إلى12% من الرجال في ولايات المتحدة الأمريكية (يعانون من أعراض الإكتئاب طوال حياتهم).

      توجد العديد من أساليب معالجة الإكتئاب، لعل أشهرها تناول مضادات الإكتئاب التي تؤثر مباشرة على الناقلات العصبية (أي أنها تؤثر على الرسائل الكيميائية التي تجعل الذبذبات العصبية تنتقل من ليف عصبي إلى آخر إلى أن تصل إلى نقطة الاشتباك العصبي synapse). وتعمل هذه الأدوية على الرفع من فعالية الإقترانات ما بين الخلايا العصبية في الدماغ. لكن في السنين الأخيرة، تبين تراجع هذه الأدوية من حيث تداولها وفعاليتها وقيمتها العلاجية وكان البديل لذلك هو الإهتمام بالعلاجات النفسية الموازية، ومن بينها العلاجات السلوكية والمعرفية.

     أما بالنسبة للعلاج المعرفي والذي يقوم على مبدأ تغيير طريقة التفكير وتصحيح بعض التمثلات والصور الذهنية والتأويلات الخاطئة، فقد فاقت النتائج كل التوقعات مقارنة بالعلاج الدوائي-الكيميائي (من بين الأعراض الجانبية للعلاج الكيميائي، أنه يتسبب في بعض الاضطرابات الوجدانية والسلوكية)، مع التركيز على تعلم كيفية حل الخلافات بين الأشخاص وتغيير الأدوار والتخفيف من حدة الإكتئاب.

2-   أساليب العلاج المعرفي للاكتئاب:
   كان يعتقد في  الماضي أن أفكار المكتئب السلبية هي مجرد مظاهر عرضية مرافقة للحالة وناتجة عن اضطرابات بيولوجية. لكن بيك Beck توصل إلى أن هذه الأفكار السلبية من شأنها أن تسبب الإكتئاب، إن لم تكن هي سبب نوبات الإكتئاب نفسها. لذا يمكن الإشارة إلى ان أسلوب بيك في العلاج وطريقته في التشخيص تستمد مقوماتها من تجربة طويلة في مجال الممارسة العيادية، حيث انتقل من اعتماد أسلوب التحليل النفسي إلى توظيف تقنيات علاجية جديدة من خلال تعامله مع المصابين بالاكتئاب (Beck et al., 1970). وقد تم له ذلك حيث لاحظ أن أحلام المكتئب تتضمن أفكارا وصورا ذهنية تبين بعض المواقف السلبية تجاه الذات، ومنها الإحساس بالذنب ومحاسبة الذات وتوجيه اللوم لها وانخفاض مستوى التقدير الذاتي وتأنيب الضمير وتعذيب الذات.

 جاءت إذن فكرة العلاج المعرفي نتيجة توظيف تقنيات التحليل النفسي في تفسير الأحلام، بمعنى أن العلاج المعرفي دخل من بوابة التحليل النفسي. فمن خلال تحليل مضامين الأحلام لدى المكتئب ورمزيتها، لاحظ بيك  مستويات النظرة السلبية والقاتمة للذات والآخرين والعالم. وفي هذا الإطار، لاحظ بيك أن المكتئب تسيطر عليه ثلاثة أنواع من المعرفيات، وهي عبارة عن أفكار سلبية يعي وجودها، ويسميها بالثالوث المعرفي السلبي (Chrystel, 2000. P: 84):

-    معرفيات سلبية متعلقة بالذات: حيث يكون للفرد نظرة سلبية عن ذاته، تسيطر عليه وتسبب له إحساسا بالنقص وإحساسا بالذنب وفقدان التقدير الذاتي.
-    معرفيات سلبية متعلقة بالعالم الخارجي: وهي عبارة عن نظرة قاتمة ومتشائمة عن المحيط الخارجي تترجم عند الشخص المكتئب بكونه ضحية سوء الفهم والإحساس بالإهمال وعدم المساعدة.
-    معرفيات سلبية متعلقة بالمستقبل: وهي عبارة عن نظر تشاؤمية حول المستقبل، تتسم بضعف الإرادة وفقدان الحيوية والثقة في الحياة المستقبلية والمشاريع المتوقع إنجازها.

   إن الشخص المكتئب، حسب "بك" Beck، يقتنع اقتناعا شديدا بالفكرة التالية: "ليس لي أصدقاء ... لا احد يحبني أو يقبلني ... أنا لا أرغب في أي شيء ... كل شيء تافه ... الحياة لا قيمة لها ... لا تصلح الحياة لأن يعيشها الإنسان ..." لا يستطيع هذا الشخص في الغالب مكالمة صديق له عبر الهاتف أو توجيه الدعوة له. فتكون من بين النتائج المترتبة عن ذلك: العزلة والامتناع عن التواصل. هذه المؤشرات قد تضعف احتمالات عودة الشخص إلى حالته الأصلية التي كان عليها في السابق، مما يجد نفسه حبيس دوامة مفرغة من الصعب الخروج منها. لذا يقترح "بك" تحديد الأفكار التي تسيطر على تفكير المكتئب وضبطها وتصنيفها. ويمكن للشخص المعني أن يقوم بهذه المهمة عندما يلاحظ أن مزاجه غير عادي أو متغير.

  وقد يطلب المعالج الإكلينيكي من المكتئب القيام بمهام معينة في منزله، من أجل توفير شروط أفضل وأنسب للشعور بالراحة في حياته اليومية.

   وبذلك، يعاني المكتئب من أخطاء في التفكير تجعله يبالغ في تضخيم الأحداث السلبية، وفي الآن نفسه يبالغ في التقليل من أهمية الوقائع الإيجابية، وذلك من خلال التعميم والقيام باستنتاجات ساذجة، وكذلك الإهتمام بالتفاصيل الخارجية عن سياقها (Moraud de Jouffrey, 1991).

   ومن العوامل التي وضعت العلاج المعرفي في المراتب الأولى من حيث الأهمية والفعالية، هو اهتمامه بمسألة التقويم التشخيصي في العلاج، وتقويم مدى فعالية العلاجات المقدمة للمفحوص، كما أصبح الإكلينيكي يخطط للعلاج في إطار تعاقد إكلينيكي حول البرنامج العلاجي المقترح، والتعامل مع المفحوص باستعمال تقنيات لتفادي احتمال الإصابة بالاكتئاب.

   المراجع:

       Beck, A.T., Rush, A.J., Shaw, B.F. & Emergy, G. (1970): Cognitive Therapy of Depression. Next York: Gilford.
-         Braddeley, A. (1994): Les Mémoires Humaines, La Recherche, Special N° 267. PP: 730-735.
-         Chrystel Beesche, R. (2000): La Psychopathologie Cognitive. Paris. P.U.F.

Moraud de Jouffrey, P. (1991): La Dépression. Bruxelles: Flash-Marabout.
------------------------------------------------------------
ب-قاصب
باحث-جامعة الجزائر 2


تحميل هذا المقال



العلاج المعرفي لحالة الإكتئاب PDF