نمر في حياتنا اليومية بالعديد من الأوقات العصيبة التي تفقدنا الشعور
بالراحة و الإطمئنان و تدخلنا في دوامة من القلق و التوتر و الضغط النفسي مما
ينعكس سلبا على صحتنا النفسية و الجسدية .
و في ظل الظروف الراهنة ، وما يشهده العالم من تقلبات و تغيرات إثر إنتشار
فيروس كورونا - Covid 19 و منذ إعلان الحكومة الصينية في نهاية سنة 2019 عن ظهور نوع جديد من
الفيروسات ينتشر بسرعة بين الناس و يؤدي إلى مضاعفات خطيرة في الجهاز التنفسي ثم
لحقه بعد ذلك تصنيفه من طرف منظمة الصحة العالمية على أن فيروس كورونا أصبح وباءا
عالميا ، سارعت الحكومات المختلفة في إتخاد جملة من الإجراءات و التدابير اللازمة
للحد من إنتشار الفيروس و تقليل فرص الإصابة بالعدوى على غرار ما حدث في الصين و
إيطاليا و إيران .
بدون شك لاحظت هذا الزخم الإعلامي الهائل ، أخبار من هنا و هناك ، تصريحات
لرؤساء دول بارزين ، إحصائيات تتجدد كل ساعة ، حالات إشتباه جديدة ، نسبة وفايات
متزايدة ، إغلاق للمدارس و الجامعات و المساجد و المطارات و حتى الأماكن العامة و
الحدائق و منتزهات ، رئيس المملكة المتحدة بوريس جونسون يطلب من شعبه أن يستعدوا
لفراق أحبابهم ، ميركل رئيسة أقوى دولة أوروبية من الناحية الإقتصادية و
التكنولوجية و الرعاية الصحية تقول أن 70 % من الألمان سيصابون
بالفيروس ، منشورات في الفايسبوك لأشخاص أغمي عليهم في الشارع ، و منشورات اخرى
تظهر لك كيفية صنع معقم أو كمامة في منزلك دون الحاجة إلى الخروج و بحث عنها في
الصيدليات التي نفدت منها هذه المستلزمات بالرغم من إرتفاع أسعارها في الآونة
الأخيرة . (1)
كل هذه الأحداث المتسارعة ، لابد من أن تدفعك للرعب والشعور بالتوتر و
القلق و ضغط نفسي يراودك خوفا مما سيكون عليه الحال في الأيام القليلة القادمة .
تأثير التوتر على المناعة في مواجهة فيروس كورونا |
ما هو مؤكد أن مستوى القلق يختلف من شخص لآخر بإختلاف نوع الشخصية والمستوى
الثقافي و أسلوب التعامل مع المواقف الضاغطة ، فالبعض يرى أن هذه الضغوطات على
أنها إستجابة طبيعية للموقف الراهن ولا يدعها تؤثر على حياته اليومية ، و هناك
آخرون قد يسبب لهم هذا القلق و التوتر الزائدين إختلال الجهاز المناعي و مضاعفات و
أمراض جسمية عديدة حتى قبل إنتقال العدوى لهم .
أما المناعة فهي عبارة عن مجموعة من الآليات البيولوجية المتكاملة من
الناحية الوظيفية تنحصر مهمتها في التعرف على ما يوجد داخل الجسم من خلال التمييز
بين ما ينتسب إليه و ما يعتبر غريب عنه ، فالمناعة تدل على قدرة الجسم على مقاومة
مختلف العوامل الممرضة من خلال تشكيل وسائل دفاعية تحميه من الإعتداءات المختلفة ،
و يتميز الجهاز المناعي أيضا بقدرته على التعرف على العوامل الممرضة التي تم
التعامل معها سابقا إذا ما عاودت الدخول إلى الجسم ، فتكون أكثر فعالية في التصدي
لها من المرة الأولى . (2)
وفي ضوء ما سبق ، إلى أي مدى يمكن أن يؤثر القلق و التوتر المبالغ فيه على
مناعة أجسامنا ؟ و هل الخوف الزائد يؤثر على سلوك الجسم في المكافحة و التصدي
لمختلف الأمراض و الفيروسات ؟ ما هي أعراض القلق و التوتر الناجمة عن إنتشار
الوباء ؟ و ما هي الطرق الواجب إتباعها بهدف تجنب الوقوع في التوتر المزمن أثناء
تفشي الأوبئة ؟
تأثير التوتر و القلق على الجهاز المناعي
أظهرت الدراسات أن التوتر يضعف الجهاز المناعي و يجعله غير قادر على التصدي
للأمراض بشكل فعال ، و بهذا يصبح الجسم عرضة للإصابة بالعدوى ، و يرجع الخبراء ذلك
إلى أن التوتر المزمن يجعل الجسم غير قادر على التخلص من هرمون الكورتيزول ( هرمون
القلق ) مما يعزز من حدوث الإلتهابات داخل الجسم
و يقلل من قدرة خلايا الدم البيضاء على محاربة الفيروسات و القضاء
عليها.(3)
القلق و تأثيره على الهرمونات العصبية
كما أثبتت بعض الأبحاث أن القلق يؤدي إلى إختلال في بعض الوظائف الحيوية في
الجسم مثل إختلال عملية إفراز الهرمونات الضرورية لصحة البدن ، بحيث يؤكد
البروفيسور و الطبيب النفسي طارق الحبيب في منشور له على فايسبوك جاء فيه مايلي : " هرمون
الثيروكسين هو الهرمون الرئيسيّ الذي تفرزه الغدة الدرقية وإذا حدث أيّ خللٍ أو
نقصٍ في إفراز هذا الهرمون يؤدّي إلى ظهور العديد من الأعراض المختلفة سواءً على
المستوى النفسيّ، أو الجسديّ والتي تؤثّر على حياة الإنسان بشكلٍ كامل، وتعيقه عن
القيام بأكثر النشاطات اليوميّة "
المصدر : صفحة طارق الحبيب - فايسبوك |
إضافة إلى ذلك يسبب القلق و التوتر العديد من الإضطرابات الهضمية و المعدية مثل فقدان الشهية
و الإسهال و الإمساك و الغثيان مانعا بذلك الجسم من الإستفادة من الفوائد الغدائية
كالفتامينات و البروتينات و مضادات الأكسدة الضرورية لتقوية الجهاز المناعي و
التصدي للأجسام الخبيثة .
التوتر و إضطرابات النوم
ولا يكتفي التوتر المزمن بهذا فقط ، بل يؤثر على عادات
النوم أيضا ، فمن المعروف أن النوم هو
حالة وظيفية حيوية مهمة في إستعادة النشاط و حفظ الإتزان الداخلي اللازم و تزويد الجسم
بالطاقة اللازمة ، كما أنه من خلال عملية النوم يتم إصلاح مواطن الضعف في البدن و
تعزيز المناعة أكثر فأكثر ، إلا أن هذا يتغير بشكل كبير في حالات القلق المزمن ،
بحيث يتسبب هذا الأخير في ظهور العديد من إضطرابات النوم و من بينها الأرق و الذي
يؤدي بدوره إلى صعوبة الدخول في النوم أو قلة ساعات النوم ، أو الإستقاظ المتكرر
ليلا ، وبالتالي عدم أخد البدن كفايته من النوم ، وبهذا يفقد الجسم كل الإمتيازات
التي يتحصل عليها خلال ساعات النوم الكافية بما في ذلك راحة الجهاز العصبي و
إسترخاء العضلات و دعم مناعة الجسم و تعزيز قدرتها على مكافحة الأمراض .(4)
وفي نفس السياق أشارت تقارير طبية و صحفية إلى أن وفاة
الطبيب الصيني المكتشف لفيروس كورونا وهو الطبيب لي وينليانغ البالغ من العمر 34
عاما جاءت نتيجة لمجموعة من الظروف و العوامل من بينها الإجهاد و التعب و قلة
النوم جراء ضغط العمل الذي عان منه الطبيب لي في أيامه الأخيرة و ذلك بسبب إنشغاله
بالتكفل بالحالات و إكتشاف طبيعة الفيروس الجديد و تركيبته المجهرية ، إلا أنه توفي في صباح السابع من فبراير بسبب
فيروس كورونا .
و على عكس ما توقع الخبراء الذين إعتقدوا أن الفيروس
الجديد سيشكل خطرا كبيرا على فئة الأطفال ، فقد بينت الإحصائيات الأخيرة أن فيروس
كورونا يضعف تأثيره على الأطفال و ذلك بالرغم من أن مناعتهم ضعيفة مقارنة بالبالغين بحيث أشارت الأرقام إلى أنه
لم يتم تسجيل أي حالة وفاة للأطفال بفيروس كورونا تحت سن التسع سنوات ، و يرجع بعض
المختصين أنه من أسباب قدرة مناعة الأطفال على التغلب على فيروس كورونا هو العامل
النفسي و ترجيح فرضية الخوف و تاثيره السلبي على المناعة ، فقد ذكر الدكتور عيادة
عبد الحفيظ في تصريح له بأن الأطفال يتصفون باللامبالاة و بعدم القلق أو التوتر
على حالتهم الصحية ....و هذا ما يفسر
فعالية و قوة مناعتهم في التغلب على هذا الفيروس .
التوتر يسبب التوهم
ما هو معلوم أيضا أن حالات التوتر تؤثر على نمط التفكيرنا
أيضا ، خاصة في حالات إنتشار الأمراض المعدية ، فغالبا ما يسبب حالات القلق
الدائمة لدى البعض ما يسمى بالتوهم المرضي ( هيبوكوندريا ) و هو إضطراب نفسي
المنشأ و عبارة عن إعتقاد راسخ بوجود مرض رغم عدم وجود دليل طبي على ذلك ، والسبب
في ذلك هو تركيز المصاب على أعراض الجسمية معينة ليس لها أساس عضوي و ذلك يؤدي إلى
حصر تفكير الفرد في نفسه و إهتمامه غير العادي بصحته و جسمه .(5)
و بالعودة إلى فيروس كورونا فإننا كثيرا ما نسمع في
الأخبار العاجلة و التقارير الصحفية تقول أنه تم رصد حالات مشتبه بها و غير مؤكدة
، كما تعج مواقع التواصل الإجتماعي بتساؤلات عن كيفية التمييز بين أعراض كورونا و
أعراض الانفلونزا الموسمية .
المصدر : موقع صحتك |
كل هذه السلوكيات المبالغ فيها تؤثر على نظام عمل
المستشفيات و قدرتها على إستعاب المرضى أو غير مرضى من الذين يريدون القيام
بفحوصات الكشف عن فيروس كورونا أو تلقي العلاج ، هذا نهيك عن مدى خطورة المكوث
طويلا داخل أروقة المستشفيات و إمكانية إلتقاط العدوى من الأشخاص المصابين فعلا .
أعراض التوتر بسبب إنتشار الوباء
العصبية و قلة التركيز و الشعور المستمر بالتوتر و القلق
.
تغير في العادات و السلوكيات اليومية ( عادات الشراء ،
الأكل ، النوم ....الخ )
الإفراط في متابعة الأخبار و منشورات مواقع التواصل
الإجتماعي التي تتحدث عن مدى إنتشار المرض.
حساسية الجسم إتجاه أعراض المرض المنتشر و القيام
بفحوصات متكررة بحثا عن علامات تدل على الإصابة بالوباء .
كيفية التعامل مع التوتر المصاحب لإنتشار الوباء
اوصى المختصون من الجمعية الأمريكية لعلم النفس APA ببعض التمارين المستنبطة من العلاج المعرفي السلوكي ، بحيث تكون بداية التمرين بفحص أفكارك و إتجاهاتك الداخلية بشكل دائم و إحرص على أن تكون موضوعيا و واقعيا في تقييمك للوضع مع الإنتباه إلى المصادر التي تأخد منها معلوماتك و التحقق من مصداقيتها ، تم أعد بتفكيرك دائما لنقطة التوازن و ركز على ما يمكنك عمله و القيام به في الوضع الراهن و ليس على ما يمكن أن تتدهور إليه الأمور و تسوء ، فهذا سيشعرك حتما بالعجز و الإحباط و مزيدا من القلق و التوتر الدائمين . (6)
تجنب البقاء لوقت طويل في تصفح مواقع التواصل الإجتماعي
التي أصبحت في يومنا هذا تعج بالأخبار الكاذبة و الصور السلبية عن كيفية إنتشار
المرض التي تسبب الهلع و الخوف بين مستخدميها ، فإذا كنت مهتما بالحصول على
معلومات حول المرض و كيفية الوقاية منه فلابد عليك من البحث في المصادر الرسمية
والموثوقة مثل موقع منظمة الصحة العالمية .
كما يلعب نوع الغداء و الوجبات التي نتناولها دورا كبيرا
في تحسين مزاجنا و حالتنا النفسية و تخفيض من حدة التوتر لدينا ، و ينصح المختصين
بالإبتعاد عن الوجبات السريعة و السكريات و الإهتمام أكثر بالوجبات المنزلية ، ومن
أبرز الأغدية التي تؤثر على مزاج الإنسان بشكل إيجابي هي المأكولات البحرية المليئة
ب
Omega 3 و الحبوب الكاملة و المعجنات و البطاطا التي
تحتوي على النشويات و التي لها دور كبير في إفراز هرمون السيروتونين في الدماغ و
المسؤول عن السعادة و الفرح ، إضافة إلى الإهتمام بالأغدية التي تحتوي على فيتامين
ب كالبقوليات و مشتقات الألبان و البيض و الموز .
كما أن تناول الوجبات المتوازنة خلال اليوم و بشكل منتظم
له أثر على تحسين الحالة النفسية و المزاجية بشكل عام .
ما يجب أن تعلمه عزيز القارئ أن نسبة الوفاة بفايروس
كورونا عبر العالم إلى حدود كتابة هذا
المقال لم تتجاوز 4 % مما يجعلها نسبة قليلة جدا و أقل من جميع
الفيروسات التي ظهرت سابقا ، بالإضافة إلى أن حالة الوفاة بهذا الفايروس أغلبها
حصلت مع أشخاص لديهم أمراض مزمنة أو لأشخاص كبار في السن و أنه هنالك أكثر من 84
ألف شخص نجحوا بالشفاء منه لنستنتج من ذلك أنه لا داعي للخوف ولا القلق .
المصادر و المراجع
(2) أحمان لبنى .( 2019 ). علم
المناعة النفسية العصبية . منشورات دار الخلدونية . الجزائر
(4) عيسى بن محمد بن سالم المنوري . ( 2013 ) . فعالية
إستراتجية التنويم الإيحائي لدى عينة من الطلاب الذين يعانون من الأرق في سلطنة
عمان . رسالة ماجستير . جامعة نزوى .
(5) زهار جمال .( 2016 ) . علم النفس الرياضي . دار
النشر جيطلي . الجزائر