رواد علم النفس الاجتماعي

أهم المساهمين الفلاسفة في موضوعات علم النفس الاجتماعي

ان بوادر نشاة علم النفس الاجتماعي كانت في البداية عبارة عن اهتمامات فلسفية ، و من بين هؤلاء الفلاسفة الذين اهتموا بعلم النفس الاجتماعي و مواضيعه هم كالتالي :
رواد علم النفس الاجتماعي

ابن سينا

حاول اظهار أن أساس المرض النفسي هو السلوك الاجتماعي، اذ اشار هذا الأخير في العديد من أعماله إلى أثر الجماعة في سلوك الفرد وعلاقة الفرد بالآخرين، وعلاقة الجماعة بتقدير الذات لدى الفرد وأثر الجماعة على الصحة النفسية والجسدية لدى الفرد.
وبين أهم الأسس النفسية والاجتماعية للمرض الجسدي ودور الجماعة في المرض والعلاج، وركز على أهمية تقدير الذات المكتسبة من خلال تصور الآخرين وعلاقتها بالمرض وقد أشار في كتابة الأصل والعودة إلى أن احدى جواري الملك التي كانت
منحنية للأسفل وذلك لرفع أدوات المائدة وضيوف الملك جالسون حول، فأصيبت هذه الأخيرة بروماتيزم مفاجئ في المفاصل، وصارت غير قادرة على أن تأخذ الوضع الطبيعي لجسمها منذ ذلك اليوم، ولم يستطع أشهر الأطباء فعل شيء حيالها.
ثم رجعوا إلى ابن سينا في علاجها، واعتبر هذا الأخير أن سبب مرضها هو نفسي، فجعل انفعال الخجل هو أحد العوامل المساندة في العلاج، فبدأ يرفع ملابسها بادئا بالرفع من الاسفل إلى أعلى الخمار، مما أتيح هذا الأمر لدى المريضة انفعالا مضادا نتيجة لرفع ملابسها، حينها أوقف المزاج الروماتزمی فوقفت معتدلة كما كانت وشفيت من مرضها.

توماس هوبز Thomas Hobes

من بين أهم الفلاسفة الغربين الذين تحدثوا وفسروا وشرحوا طبيعة الفرد في علاقته مع الأخرين، وبينوا أن كل الأفراد متساوون في الطبيعة وليس لديهم رغبة في التجمع بل هم في سعي دائم لتدمير بعضهم البعض، وأكد هوبز أنه لفهم بنية المجتمع ككل يجب علينا أولا أن نفهم بنية الأفراد النفسية وتركيبته اكفهم رغباتهم وانحرافاتهم التي تقودهم الى الصراع مع الأفراد الأخرين.
ويرى هوبز أن كل فرد لديه الرغبة السرمدية حد الموت في التسلط والسلطة، والرغبة الفطرية والدفينة في التحكم في سلوك الأخرين، إذ أن هذه الأخيرة تسمح له بالتحكم في مستقبل الأخرين وتعطيه الدافعية النجاح والبقاء من خلال الاعتداء والعدوان والتميز الجسدي والفكري المتعالى عن الآخرين الذي يجذب له الغني والحظ والمكانة العالية  بينهم، لذلك نجد الفرد في محاولة وصراع مستمر لإخضاع الاخرين لسلطته وقوته وارادته من أجل الحفاظ على البقاء

جان جاك روسو Rousseau . J .

حاول روسو من خلال كتابه العقد الاجتماعي إلى اظهار حقيقة العلاقة بين الفرد ومجتمع وأثر هذا الأخير في تغير طبيعة الفرد الخبرة وافسادها من خلال ممارسات التربية الفاسدة عليه من طرف المجتمع، ونادى في كتابه "اميل" الرجوع الى الطبيعة في تربية الأبناء وبين أن المجتمعات البشرية ليست هي الطبيعة الحقيقية وليست أساسية في اعداد الفرد الصالح، إنما هي دائما ضد الطبيعة الإنسانية الخيرة، وأن تدخل المجتمع في نشاة الفرد هو ما يفسد تلك الطبيعة الخبرة الأولية في الإنسان، ويعد روسو أول من أشار إلى التحريفات والتغيرات النفسية التي يلحقها المجتمع بالطبيعة الخيرة للإنسان.
كما بين من خلال أعماله، أن هو من يخلق الفروق ولا مساواة بين الأفراد، لأن الأفراد في الحقيقة يولدون متقاربين ومتشابهين في حاجاتهم المختلفة، لكنهم يختلفون بعد ذلك بالفعل الاجتماعي، كما يعد روسو أول من أشار في كتابه العقد الاجتماعي إلى مفهوم الشخصية وأثر الفعل الاجتماعي في تكوينها، وبين أن المجتمع عندما لا يحترم الطبيعة الخيرة في الانسان، هو أصل سلوك الأفراد غير السوي والمسؤول الوحيد عن سلوك الفرد المتوحش . 

لقد كانت مواضيع علم النفس الاجتماعي متواجدة في فكر الفلاسفة و اهتماماتهم منذ القدم و بشكل مستمر و كانت اعمالهم دائما تدور و ترتكز حول الطبيعة البشرية و اثر المجتمع على هذه الطبيعة .

أهم العلماء المساهمين في تطور علم النفس الاجتماعي

دوركايم Durkheim

اختلف Durkheim في مساهمته العلمية لتفسير ظاهرة الانتحار في أوروبا، التي كانت تحمل إضاءة حاسمة حول فهم طبيعة، ووظيفة المجتمع بالنسبة للأفراد من خلال طرق البحث العلمية الحديثة، وبين في دراسته أن المجتمع هو تلك الحقيقة الكامنة وراء الفعل الاجتماعي، ومجموع الخصائص والطرق القانونية التي تهبه القوة والسلطة في اكراه الأفراد لسلطته والتفكير والعمل على تكوين الشعور المطلق للفرد بتبعيته له، فالحياة الاجتماعية حسب دوركايم ترتكز في الحقيقة على مجموع التصورات والعمليات العقلية والنفسية للأفراد، ومن ثم يظهر علم الاجتماع حسب تصوره كعلم نفس خاص يهتم بدراسة نفسية الأفراد وتحليل سلوكياتهم حسب مزاعمه.
لقد كان تحليل وتفسير دوركايم لوظيفية للمجتمع، مرجعية علمية مغذية ومفسرة لفهم حقيقة سلوك المرض والسواء في المجتمع، وتعد دراسته لظاهرة الانتحار مرجعية نظرية هامة لفهم حقيقة عوامل وأسباب الظاهرة الاجتماعية انطلاقا من تحليل نفسية الفرد وعلاقته الاجتماعية بالآخرين ، اذ بينت وأظهرت هذه الدراسة، كيف أن الأفراد ينهون حياتهم ويحدون من سلوكياتهم وذلك كله من خلال تصورات اجتماعية مكتسبة من الجماعة التي ينتمون اليها.
وبينت احصائيات الدراسة أيضا، أن هناك عوامل فردية ذاتية أخرى تعود الى طبيعة تكوين الفرد ونشأته الاجتماعية هي الأخرى تتحكم في ظاهرة الانتحار لدى الأفراد في اوروبا مثل الانانية التي يتميز بها الفرد و ضعف اندماجه الاجتماعي و ضعف العلاقة الاجتماعية بين الفرد و جماعته التي ينتمي اليها

قبريل تارد G . Tard

حاول تارد Tard في أبحاثه الاجابة عن سؤال هام في علم النفس الاجتماعي، ألا وهو لماذا سلوك الفرد في مظاهرة العامة عندما يكون داخل الجماعة أو عندما يتصل بالجمهور لا يكون هو نفسه عندما يكون في معزل عن الجماعة أو الجمهور.
وقد حصر تارد إجابته بعد أبحاثه الطويلة عن هذا الموضوع في أن هذا التغير يعود في حقيقته إلى تقليد الفرد للأخرين داخل الجماعة التي ينتمي إليها، وعرف التقليد على أنه مجموع المعرف العقلية الحقيقة الاجتماعية، والتقليد الاجتماعي هو الآلية النفسية الاجتماعية الأساسية لدى الفرد لتفسير وفهم الواقع والتكيف معها.|

جوستاف لوبون  G . Lebon

يعتبر Lebon أول من طور نظرية علم النفس الاجتماعي، وهي نظرية سيكولوجية الجماهير، أين بين وبين فيها أن الحشد يتألف من عناصر أفراد متلاحمة ومتماسكة أثناء تجمع ما، يتلاحمون ويتضامنون فيما بينهم کتلاحم الجسد الواحد من اجل الدفاع والحفاظ على بقائهم، ويظهر هؤلاء الأفراد في تلاحمهم وتجمعهم، خصائص سلوكية، تختلف اختلافا تاما عن خصائصه السلوكية عندما يكون في معزل عن هذا الحشد، کاختلاف الخلية في خصائصها الحيوية عندما تكون في معزل عن خلايا الجسم الأخرى إن الجمهور أي الحشد يمنح الأفراد مجالا وحيزا لاستخراج روح الجماعة التي يشعرون بها ويفكرون فيها ، إن التفكير في اختلاف الأشكال السلوكية لكل فرد داخل الحشد وفي معزل عنه، هو ما دفع Lebon إلى ملاحظة هذه الظاهرة السلوكية ومقارنتها في كلتا الحالتين واستخراج خصائصها والعوامل المؤثرة في ذلك التغيير وتحليل سلوك الفرد والعوامل النفسية والعقلية المؤثرة فيه داخل وخارج في الجماعة والمحددة السلوكه.

شارلز فوري Charles Fourier

يعد شارل فوري من بين أهم أعلام علم النفس الاجتماعي المغمورين، ومن بين العلماء الجادين في تفسير السلوك الاجتماعي الذين لم تسلط عليهم البحوث والدراسات العلمية اهتماماتها، ولم تهتم كثيرا بأعماله وبقيت أعماله هامشية وقليلة التأثير، أي بصورة أخرى ذات تأثير غير مباشر في موضوعات علم النفس لوقت طويل من الزمن إلى يوما هذا، رغم أنه من أولى الباحثين الذين تنبهوا إلى موضوعات علم النفس الاجتماعي، من خلال نظرية الوحدة المتكاملة للمحفزات الأربعة، حاول فيها اعطاء تعريف اجتماعي للحدس وأهم العوامل النفسية والاجتماعية المؤثرة في نظام حنس الفرد، اذ حاول من خلالها البحث في نظام اجتماعي يبرر دراسة الانسان في بيئته الاجتماعية، إلا أن محاولاته الفلسفية الأولى باءت بالفشل في البحث عن الأسس الاجتماعية للحدس ليتحول بعد ذلك إلى دراسة الانفعالات والرغبات وحاول وضع قائمة تتكون من 12 رغبة كمرجعية أساسية لتفسير سلوك الإنسان، خمسة منها أساسية تتعلق بالأحاسيس الأولية ( كالإحساس لذوق، الرؤية، السمع، الرائحة) وهي تتعلق بالحفاظ على البقاء، وأربعة منها تتعلق بدوافع الحياة هي ( الحب، الطموح، الصداقة، العاطفة) تتعلق بالانتماء والتكيف الاجتماعي، وثلاثة منها تتعلق بتوزيع الطاقة والمذهب السلوكي الشرير ( الخداع، الحيلة، والرغبة في التغير والتقدم ) في الآلية الاجتماعية، اذ تعتبر الرغبة الأخيرة بالنسبة للفرد الأعلى والأهم والأكثر رغبة وأهمية من بين كل الرغبات الأخرى.
وقد أكد Charles Fourier على أهمية التنشئة الاجتماعية في توجيه هذه الرغبات وتصحيح مسارها. 

ماك دوجال M. Dogal

يعتبر  M. Dogalاول عالم في علم النفس الاجتماعي يصدر مؤلف بعنوان علم النفس الاجتماعي وذلك سنة 1908، بين فيه علاقة الطبيعة البشرية المتمثلة في الغرائز وتوجيه السلوك الاجتماعي لدى الفرد متجاهلا أثر العقل الجمعي عليه.

سيغموند فرويد S.Freud

لم يشير فرويد في أعماله مباشرة إلى موضوع علم النفس الاجتماعي ، لكن في الحقيقة أن بعض منها كانت تحمل في طياتها محاولاته العلمية الجادة في فهم و تفسير علاقة بعض الظواهر النفسية بالجماعة و تحليلها تحليلا سيكولوجيا، مستندا في تبريره على حقيقة أن " حياة الفرد هي عبارة عن نموذج كامل مختزل فيه حياة الجماعة .
الا أن مرجع الطوطم والحرام، يعتبر من أهم وأعظم أعمال فرويد ، الذي تختزل فيه اتجاهات علم النفس الاجتماعي الحقيقية، ومرجعا أساسيا و هاما في تفسير الظاهرة الجماعية انطلاقا من التحليل النفسي لبنية الفرد، بالإضافة إلى هذا المرجع يعد مرجع القلق و الحضارة أيضا من بين أهم الأعمال التي حاول فيها فرويد تفسير السلوك العدواني والحروب خلال الحضارات انطلاقا من أسس نفسية في الفرد

و في الاخير ، إن التصورالنظري في تتبع تاريخ تطورو نشاة علم النفس الاجتماعي لا يمكننا حصره في بعض الأعمال دون الأعمال الأخرى ولا يمكننا إحصاء رواده و اعلامه الفكرية ككل وإحصائهم في مقال او بحث واحد ، وهذا نظرا لثراء موضوعات النفس الاجتماعي وتعددها وتشعبها، كتشعب العلاقة بين الفرد والجماعة وتعقدها بين الجماعة والجماعة الأخرى.

المصدر : 
صفية بوداني . علم النفس الاجتماعي موضوعه و اهم العلماء المساهمين في تطوره . جامعة حسيبة بن بوعلي . شلف . الجزائر .
في موضوع ذات صلة ، يمكنك تحميل ملخص علم النفس الاجتماعي pdf