مؤسسات التنشئة الاجتماعية pdf

مؤسسات التنشئة الاجتماعية  pdf


اعداد : د . عماد بن تروش

مؤسسات التنشئة الاجتماعية  pdf


ملخص : 
تلعب مؤسسات التنشئة الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات دورا محوريا في بناء شخصية الحدث و نموها على نحو يجعله شخصية سوية في مجتمعه ملتزمة بقواعد الضبط الاجتماعي و مقتضياته و ذلك من خلال مجموعة الأنساق القيمية والأخلاقية التي تسعى هذه المؤسسات إلى استدماجها في شخصية الطفل / الحدث و هي أنساق يعتمدها المجتمع و يرتضيها و هي أساس العلاقات الاجتماعية السوية و كذا النظام الاجتماعي القائم و كل ذلك بهدف حماية الحدث و تحصينه من كافة المثيرات الاجتماعية التي قد تكون دافعا لولوجه عالم الجريمة و الانحراف.
خلصت البحوث العلمية المتخصصة في شؤون التربية و علوم الإنسان إجمالا ، إلى أن الطفل لا يقوى على الحياة و العيش ولو لفترة محدودة دون مساعدة من الآخرين ، و هذا بخلاف الكائنات الأخرى التي تلد باستعدادات فطرية تحصنها من الاعتماد الكلي على مثيلاتها في مواكبة إيقاعات الحياة اليومية ، و على هذا النحو يمكن وصف الطفل الحديث العهد بالولادة ، بأنه كائن بيولوجي شبه عاجز يحتاج إلى آلية تحوله إلى كائن اجتماعي فعال له ذاتيته و ثقافته الخاصة ، و هذه الآلية هي ما اصطلح على تسميتها بالتنشئة الاجتماعية .

تعريف التنشئة الاجتماعية

يعرف تالکوت بارسونز التنشئة الاجتماعية بأنها عملية تعليم تعتمد على التلقين و المحاكاة والتوحد مع الأنماط العقلية و العاطفية و الأخلاقية عند الطفل و الراشد وهي عملية تهدف إلى إدماج عناصر الثقافة في نسق الشخصية و هي عملية مستمرة لا نهاية لها.
في حين نجد أن الباحث مصباح عامر يعرفها بأنها "عملية اجتماعية يتم من خلالها بناء الطفل بناءا اجتماعيا ، عبر عمليات التشكيل التي يتلقاها من مختلف المؤسسات الاجتماعية التي تحتضنه ، ومن المحيط الذي ينبثق منه عن طريق التفاعل الاجتماعي و يتم خلال هذه العملية نقل قيم و ثقافة وطرق حياة المجتمع".
و يضيف بياجي أن التنشئة الاجتماعية للطفل لا تهدف بالضرورة إلى فرض احترام صارم ، أعمى لقيم و المعايير الاجتماعية و إنما - و هو الأساس - تسمو إلى ولوج مرحلة إقتناع الطفل بتلك القيم و تقبلها إرادیا و التصرف من خلالها و بمقتضاها بحيث تصبح بمثابة عقد حقيقي يتضمن القبول المتبادل لمجموعة من الأنساق القيمية و المعايير و الاتجاهات الاجتماعية بين الطفل من جهة والقائمين على عملية تنشئته من جهة أخرى، سواءا أفرادا أو مؤسسات اجتماعية.

مؤسسات التنشئة الاجتماعية

1 – الاسرة

تلعب الأسرة دورا بارزا في تشكيل سلوك الفرد سواء بطريقة سوية أو غير سوية، ومن خلال النماذج السلوكية التي تسوقها للطفل، فأنماط السلوك والتفاعلات التي تدور داخل الأسرة هي النماذج التي تؤثر سلبا أو إيجابا في تربية الطفل وتشكيل شخصيته حتى في المراحل المتقدمة من النمو. لذلك خلص الكثير من الباحثين المشتغلين في حقل التربية بصفة عامة، والتنشئة الاجتماعية بصفة خاصة، إلى أن الخبرات التي يخبرها الطفل في محيط أسرته وخاصة في السنوات الأولى لطفولته أثرا كبيرا على مستقبل حياته وقدرته على إحداث التوافق المطلوب.
وفي هذا السياق يحرص أغلب المفكرين على التأكيد على أن مجمل القيم والاتجاهات والمعايير التي يتلقاها الحدث في بيئته الأسرية تعد بمثابة المرجعية التي يترجم على ضوئها الخبرات الجديدة، ولا ينكر في الوقت ذاته أن الخبرات الأولى التي يتلقاها الطفل في أسرته وهي تصطدم بالخبرات الجديدة التي يتلقاها خارج الأسرة قد يمسها التغيير والتعدل، ولكنها في أغلب الأحيان تقف بعناد إزاء هذا التغيير وما تفرضه الخبرات الجديدة من معنى.
ولما كانت الأسرة هي الجماعة الأولى التي يجد الطفل نفسه فيها عند ولادته، فلا مناص من القول إنها المدرسة الأولى أيضا التي تلقن الطفل كافة المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم السائدة في المجتمع بعد أن تترجمها إلى أساليب عملية لتنشئته نشأة اجتماعية متوافقة مع الخصوصية الثقافية للمجتمع من جهة ومع ما يناسب متطلبات الأسرة ووسطها الاجتماعي الخاص من جهة أخرى، بالإضافة إلى أنها تكسبه من المعارف والمهارات ما ييسر له تصريف شؤون حياته الخاصة والعامة، لذلك فقد كان إجماع الباحثين في مجالات التنشئة الاجتماعية مع اختلاف أطرهم النظرية، على أن الخبرات الأسرية لاسيما في مرحلة الطفولة المبكرة تلعب دورا بارزا و محوريا في بناء شخصية الطفل و في نموه النفسي والاجتماعي.

2 – المدرسة

تعد المدرسة إحدى المؤسسات الاجتماعية التي اتفق على إنشائها بقصد المحافظة على ثقافة المجتمع ونقلها من جيل إلى آخر، أي أنها تقوم بتوفير فرص النمو المناسبة، وهي بهذه الصورة تعتبر من أنشطة عوامل التأثير الاجتماعي التي غالبا ما تبدأ التنشئة فيها للتلميذ / الحدث بعد سن السادسة أو بتحديد أدق تبدأ بعد تنشئته الاسرية .
كما أضحت المدرسة كذلك مؤسسة لتلقي تربية تحترم كرامة الطفل  كإنسان، وتساعد على تطوره، ونموه الجسدي والعقلي وتفعل ذكاؤه، وتمكنه من الوصول إلى المعارف والثقافة المجتمعية فلم تعد تبعا لذلك المكان الذي يتم فيه تجميع التلاميذ لتلقينهم بعض الدروس والمعارف فحسب، بل إلى جانب ذلك أصبحت المدرسة - ومواكبة منها لتطور الحياة الاجتماعية الحديثة - مؤسسة اجتماعية قائمة بذاتها تعنى بتنمية الجوانب الاجتماعية والنفسية والعلمية للتلاميذ ليكونوا أقدر على مواجهة متطلبات الحياة الاجتماعية المتغيرة. وبناء عليه فقد أصبحت شريكا للأسرة والمؤسسات اجتماعية أخرى في تحمل مسؤولية التنشئة الاجتماعية للطفل، وتلعب دورا محوريا في تهيئته للتفاعل مع الحياة الاجتماعية بشكل يضمن انسجامه كليا مع القيم والمعايير السائدة في المجتمع، ومن ثم لا مناص من القول أن المدرسة تضطلع بوظيفة التربية ونقل الثقافة الجماهيرية، وتوفير المناخ الاجتماعي الملائم لنمو التلميذ الطفل وتنمية مدارکه وصقل مواهبه وملكاته، فضلا عن تعليمه أدوارا اجتماعية جديدة وبيان حقوقه وواجباته، وإيجاد التوازن الملائم بين حاجاته الخاصة وحاجات الغير.
ومن المفيد جدا القول في هذا المقام وضمن هذا السياق المعرفي، أن الطفل لا يدخل المدرسة وهو أعزل أو عنصرا خاملا، مادة خام ، بل يكون متشبعا، حاملا قيما ومعايير اجتماعية، فتكون المدرسة في هذا الإطار بمثابة فضاء اجتماعيا ملائما لتوسيع دائرته الاجتماعية، حيث تتيح له الفرصة للاندماج في جماعات جديدة، من الرفاق يكتسب من خلالهم المزيد من المعايير الاجتماعية بشكل منظم، ويتعلم أدوارا اجتماعية جديدة حيث يتعقل حقوقه وواجباته وأساليب ضبط انفعالاته، ويتمرس على التعاون والانضباط في السلوك فضلا عن تأثره بالمنهج الدراسي الذي يعمل على توسيع مدار ذكائه وينمي شخصيته التربوية.
و يعتقد الباحث Michel Born  ان الحياة المدرسية المضطربة التي يعيش في ظلها التلميذ الحدث في مؤسسة التربوية قد تعرقل عملية التنشئة الاجتماعية، وتنحرف بها عن مسارها السليم، فإذا أخفقت المدرسة في تحقيق التكيف المطلوب للتلميذ مع طبيعة الممارسة التربوية في مدرسته، ونقصد بذلك تكيفه مع القوانين واللوائح وطبيعة الجزاءات فيها، وإذا كانت طبيعة العلاقة بين الأستاذ والتلاميذ تقوم على الصراع والعنف المتبادل والنفور  والاستبداد بالرأي وتغييب كل فرص التفاعل الإيجابي وقطع الطريق أمام كل المبادرات الرامية لإحلال جو ديمقراطي بين التلاميذ، ومختلف أطراف العملية التربوية في المدرسة، فضلا عن صعوبة وتعقد البرامج والمناهج الدراسية بحيث لا تتناسب والقدرات التحليلية للتلاميذ، ولا تراعي مبدأ الفروق الفردية.
بالمقابل لا توجد أي اجتهادات من طرف الأساتذة التبسيطها وتذليل صعوباتها حتى تصبح في متناول الجميع، كما أن انتهاج الإدارة المدرسية للنمط التسلطي الديكتاتوري في التعامل مع التلاميذ وغلق الباب أمام كل حوار صريح وبناء يقوم على الاحترام المتبادل والاتفاق على إنجاح العملية التربوية، من شأن كل هذه الظروف والعوامل إذكاء مشاعر العداء والكراهية لدى التلاميذ لمدرستهم ومن ثم تفويت فرص الاندماج الاجتماعي، وتقبل النسق القيمي للمجتمع .

3 - المسجد 

وظيفة المسجد في التنشئة الاجتماعية أعظم من أن تحدد في أي إطار كان فهي تساوي في حجمها وظائف منظمات المجتمع الأساسية بأجمعها، فقد كان للمسجد ومازال مكانة عظمى ودور نشط خلاق في صياغة الفرد المسلم على كل المستويات الدينية والخلقية والروحية، وكانت فيه الحل والعقد وفيه المدرسة والجامعة، فكان فكرا وروحا قبل أن يكون مبنی وشکلا، وكان قلب المجتمع الإسلامي النابض، والمصنع الذي يصقل ويصوغ الفرد والجماعة على الأسس الإسلامية الصحيحة، مواصلا رسالته العالمية أبدا في تنمية الوازع الديني والروح الإسلامية الصحيحة وتنقية النفس وصقل العقل وتدريب الإنسان على الخضوع والاستسلام الله والاعتصام به وحده دون غيره، والمسجد عبر تاريخه لم يكن أبدا مجرد مصلى فقط، بل هو جزء لا يتجزأ من بناء الشخصية الإسلامية، فكما كان الإنسان لا يستطيع أن يتصور إسلاما بغير إسلاميين، فكذلك لا يمكن أن نبني شخصية المسلم بدون مسجد يؤدي لها الوظائف الدينية والسياسية والاجتماعية.
عموما ، اصبح المسجد مؤسسة اجتماعية قائمة بذاتها يعنى بعملية التنشئة الاجتماعية و ذلك من خلال اساليبه الخاصة في هذه العملية و هي من دون شك مستمدة اساسا من مبادئ الدين الاسلامي ، و من بين الاساليب المتبعة في التنشئة الاجتماعية داخل المسجد هي الصلاة و صلاة الجماعة ، الموعظة و النصح ، الترهيب و الترغيب .

4 – الاعلام

يجمع مختلف المهتمين بالشأن الإعلامي والممارسة الإعلامية بوجه عام في المجتمعات الحديثة، أن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها قد تعاظم دورها وازدادت أهميتها بشكل لافت و غير مسبوق، وأضحت لديها قدرة خارقة على تحريك الرأي العام والسيطرة على توجيهاته، فضلا عن دورها الفعال في تسويق مختلف القيم والمعايير والاتجاهات و الايدولوجيات لدى الجمهور، حتى أن بعضهم ذهب إلى حد القول أن أي تغيير اجتماعي أو ثقافي يشهده المجتمع ما هو إلا ثمرة من ثمار وسائل الإعلام.
وضمن هذا السياق المعرفي نستطيع التأكد على أن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة تلعب دورا بارزا في تكوين شخصية الفرد وتطبيعه الاجتماعي على أنماط سلوكية معينة، وذلك بما تعرضه من برامج هادفة ومعلومات متنوعة عن كافة المجالات التي تهم الطفل الحدث في مختلف مراحل حياته، فضلا عن ذلك وضمن الإطار نفسه لا يمكن أن نغفل حقيقة هامة أن لوسائل الإعلام دورا محوريا أيضا في إشباع بعض الحاجات النفسية الضرورية لاستكمال تنمية الطفل خاصة الحاجات المتعلقة بالمعلومات، التسلية، الترفيه، الأخبار، والمعارف والثقافة العامة.
كما تدعم أيضا الاتجاهات النفسية الايجابية لديه، وتعزز فيه القيم والمعتقدات السائدة في المجتمع كما تقوم في ذات الوقت بتعديل هذه القيم والمعتقدات بشكل يتساوق والتغييرات القيمية والثقافية التي تطرأ على المجتمع من حين إلى آخر، فتكون وسائل الإعلام في هذا الإطار أفضل وسيلة لترسيخ هذا التغيير والتعديل، ومن ثم ضمان توافق الطفل الحدث وتكيفه المستمر مع كل التغييرات التي تعرفها الأنساق القيمية والثقافية والمجتمعية.
لذلك نعتقد اليوم أن وسائل الإعلام الجماهيرية أضحت أداة فاعلة من أدوات التنشئة والتربية والتهذيب فمن خلال برامجها وثراء معلوماتها التي تنشرها بين الأطفال في كل زاوية من زوايا المجتمع تستطيع رسم أطر التفاعل الإنساني بين المنشئ المسؤول عن عملية التنشئة الاجتماعية والمنشأ الذي تستهدفه هذه العملية. ومثل هذه الأطر إنما تقوي العلاقة بين الطرفين إلى درجة أن المربي يندفع نحو التأثير في الطفل الحدث تأثيرا عميقا و فاعلا، وأن الحدث يثق بالوسيلة الإعلامية ويؤمن برسالتها التربوية إذ يستوعبها ويلم بجميع جوانبها دلالاتها .
و للإعلام ايضا وسائله الخاصة في عملية التنشئة الاجتماعية للطفل و تنحصر في ثلاث نقاط و هي :

التكرار : 

إذ تعمد وسائل الإعلام إلى أحداث تأثير معين عن طريق تكرار أنواع معينة من العلاقات والشخصيات والافكار والصور، ومثل هذا التكرار في القصص والكتب المصورة ومجلات الأطفال والإذاعة  والتلفزيون والسينما يعرف الطفل الحدث أشياء
كثيرة عن الحياة بصفة عامة وعن مجتمعهم بصفة خاصة.

الجاذبية : 

مما يضاعف من أثر التكرار تنوع الأساليب التي تشد الطفل إلى وسائل الإعلام المختلفة وأساليب الجذب هذه قد بلغت في وقتنا الراهن درجة كبيرة من القوة وسوف تتزايد مع تقدم التقنية وانتشار أدوات وأجهزة الإعلام الحديثة المتطورة وزيادة عدد من يتعرض لها من الأطفال.

عرض النماذج : 

وهذا النماذج قد تكون نماذج شخصية، فيها سلوك معين لشخص شغل مكانة اجتماعية معينة، وقد تكون هذه النماذج مختلفة وأيا كان شكل هذه النماذج، فإنها إما أن تكون موجهة فيتضمن عرضها دعوة صريحة للاقتداء بها، أو أن تكون سلبية يتضمن عرضها دعوة صريحة بنقدها وعدم تقليدها.

المرجع
عماد بن تروش . دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تحصين الحدث من الانحراف  pdf . مجلة السراج في التربية و قضايا المجتمع . العدد الثاني (2) . 2017.


و في مومضوع ذات صلة يمكنك الإطلاع على البحوث و الدراسات السابقة عن التنشئة الاجتماعية pdf