نظرية التحليل النفسي و القلق

 

نظرية التحليل النفسي و القلق
نظرية التحليل النفسي و القلق

تتعدد النظريات المفسرة للقلق و ذلك بتعدد الاتجاهات و المدارس النفسية المختلفة و التي كانت اسسها مجموعة من العلماء و رواد علم النفس البارزين ، و من ابرز النظريات المفسرة للقلق هي نظرية التحليل النفسي التي تركت بصمتها حول موضوع القلق من خلال علماءها البارزين و من بينهم ما يلي :

نظرية التحليل النفسي و القلق

تفسير القلق عند فرويد

من وجهة نظر فروید freud:"سيجموند فرويد Freud Sigmund مؤسس نظرية التحليل النفسي الذي كان اهتمامه بدراسة العمليات الشعورية واللاشعورية وتأثيرهما على الفرد والسلوك، وأكد على دور الطفولة المبكرة في شخصية الفرد، وكذلك اعتبر الغرائز العوامل المحركة لشخصية الفرد، ویری فروید أن هناك ثلاث قوى أساسية تدخل في مكونات شخصية الفرد وتعمل مع بعضها البعض بصورة تفاعلية؛ وهذه القوى كالآتي:

  • الهو(id): وتتضمن الغرائز الجنسية والعدوانية، وتعمل على تحقيق اللذة وتجنب الألم
  • الأنا (Ego): وتمثل العقلانية حيال اندفاعية الهو وتهورها وتعمل وسيطا مصلحا بين ألهو والمحيط الخارجي.
  • الأنا الأعلى (Super ego): تمثل الضمير والمعايير الصحيحة، والتي تعتبر أعلى وأرقی جانب في شخصية الفرد وتعمل على بلوغ كمال الإنسانية.

ويؤكد فرويد بأن هذه القوى غير منفصلة عن بعضها بل تتعاون فيما بينها وتساهم في التفاعل مع البيئة وفي إشباع الرغبات الأساسية، وبعكسه سيحصل سوء التوافق مع المحيط وعندها يصاب الفرد بالقلق النفسي والاضطرابات لأنه في صراع داخلي).

القلق و المكبوتات 

كان فرويد ينظر للقلق باعتباره إشارة إنذار بخطر قادم، يمكن أن يهدد شخصية الفرد، فمشاعر القلق التي يشعر بها الفرد تعني (ألهو) الأفكار غير المقبولة والتي عملت (الأنا) بالتعاون مع (الأنا الأعلى على كبتها، تجاهد لتظهر وتقترب من منطقة الشعور والوعي مرة أخرى ، وعليه فإن مشاعر القلق تقوم بوظيفة الإنذار للأنا، والأنا الأعلى لمنع هذه المكبوتات من النجاح والإفلات إلى منطقة الوعي والشعور ودفعها بعيدة في اللاشعور.

وغالبا ما تكون هذه المكبوتات رغبات أو محفزات عدوانية أو نزعات جنسية سبق للأنا ركبتها في اللاشعور، فإما أن تقوم الأنا بنشاط ما تدافع بها عن نفسها ما يهددها وتبعده عنها، وإما أن يتراكم القلق حتى تقع الأنا صريعة للانهيار العصبي. (1)

تجربة فرويد الشخصية مع القلق

كان فرويد أول من لفت الانتباه إلى الدور المحوري للقلق في ديناميات الشخصية والنظريات الارتقائية وفي حقيقة الأمر، فإن فرويد يعتبر القلق إحدى الدعائم الأساسية في الممارسة العلاجية، ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن فرويد توصل الى هذه النتيجة من خلال خبراته الخاصة نظرا إلى أنه عاني بصفة شخصية من نوبات القلق، والرهاب الخوف من القطارات والاكتئاب كما أنه أعتاد أيضا تناول الكوكايين لتهدئة ما يعانيه من استثارة وتوتر.

ویری فرويد أن القلق شعور ينشأ تلقائيا كلما طغى على النفس وابل من المثيرات الشديدة التي يمكن السيطرة عليها والتخلص منها, والقلق والشعور أو القضاء عليه، مثلما يقوم أحد الأشخاص بالمحاولة التقليل الشعور بالدوافع المماثلة، مثل الجوع والعطش والألم .

وفي إطار هذا السياق يعتقد فرويد أن القلق يمكن أن يتعامل معه إذا ما كان الانزعاج الذي يتزامن معه من شأنه استثارة دافعية الأشخاص لتعلم طرق جديدة لمواجهة تحديدات الحياة، ومع ذلك فإن الشعور بالقلق الشديد والمزمن في ظل عدم وجود مصدر واضح للتهديد أو الخطر أو الظروف البيئية يعتبر أمرا غير طبيعي بصفة عامة.

وقد أشار فرويد في محاضراته التمهيدية في التحليل النفسي، إلى أنه يمكن فقط من خلال تقييم مصادر تعامل الشخص القلق معه والتي تمثل نقاط قوة له مقارنة بحجم التهديد، ويمكن للشخص أن يقرر في ضوئها ما إذا كان الهروب أو الدفاع أو حتى الهجوم، هو افضل وسيلة للتعامل مع القلق .(2)

ونستنتج من خلال نظرية فرويد أنه قد اتجه إلى أن القلق تولد بسبب دوافع الغريزة الجنسية أو إحباطها وعدم إشباعها، فحين تمنع الرغبة الجنسية من الإشباع تتحول الطاقة الجنسية إلى القلق؛ وكذلك يعتبر سبب القلق في وجود صراع بين قوتين هما: الأنا والأنا الأعلى وألهو، ويبقى الأنا موضع الخطر بينهما؛ وبالإضافة إلى البيئة التي يعيش فيها الفرد تلعب دورا مهما وتسهم بدرجة واضحة في نشاة القلق و ارجاع السبب في ذلك الى الصراعات الداخلية والإحباطات.

و في موضوع ذات صلة يمكنك الاطلاع على تفسير فرويد للقلق 

تفسير القلق عند اوتورانك otto rank

يعتقد العالم النفساني "أوتورانك" أن الإنسان يشعر في جميع مراحل نمو شخصيته بخبرات متتالية من الانفعال، وميلاد الطفل هو أول وأهم خبرة للانفصال تمر بالإنسان إذ تسبب له صدمة مؤلمة وتثير فيه قلقا شديدا ، وأطلق على هذا النوع من القلق الذي تثيره صدمة الولادة بالقلق الأولي.

وفسر رانك جميع حالات القلق على أساس القلق الأولي هذا، فهو لا يعتبر قلق الولادة نموذجا تنشأ على نسقه حالات القلق، وإنما اعتبر قلق الولادة المصدر الذي تنشأ عنه حالات القلق التالية، وكما اعتبر رانك الانفصال عن الأم هو الصدمة الأولى التي يتعرض لها الطفل فإنه اعتبر كذلك جميع حالات الانفصال التالية مثير اللصدمة، فالفطام مثلا يتضمن انفصال الطفل عن ثدي الأم هو ما يسبب صدمة للطفل أنه شبيه بحالة الانفصال الأولى، والذهاب إلى المدرسة يثير القلق لأنه يتضمن انفصاله عن المنزل، والزواج يثير القلق لأنه يتضمن انفصالا عن حياة الوحدة ، فالقلق هو الخوف الذي تتضمنه هذه الانفصالات المختلفة .

وخلاصة وجهة نظر أتورانك على أن الانفصال مهما يكن نوعه يسبب القلق لدى الفرد.(1)

تفسير القلق عند كارل يونغ Carl Gustav Jung

بالرغم من انفصال يونغ عن فرويد الا انه بقي متأثرا بفكره ، ولقد ذهب (Jung ) إلى أبعد مما قاله فرويد حتى وإن كان في نظرته إشارة لأهمية العوامل الإجتماعية.

ويشير يونغ انطلاقا من نظريته في اللاشعور الجمعي المؤكد لتأثير الخبرات اللاشعورية الموروثة من الأجيال السابقة كأساس لتكوين الشخصية وأيضا كأساس للقلق، إلا أن شعور الفرد في موقف مهدد لكيانه قد يجعله ينسى كل خبراته الحضارية وحصيلته الثقافية ويرتد إلى بعض التصرفات اللامعقولة، فالإنسان في حياته العادية المنظمة لا يشعر بتأثير الأشباح، ولكنه إذا مر بجوار القبور ليلا، فإنه ينتابه مشاعر

الخوف والقلق لأنه قد حدث نوع من الغزو من محتويات اللاشعور الجمعي.

تفسير القلق عند ألفرد أدلر A adler

مع تبعية ادلر أيضا لفرويد في بداية عمله بالتحليل النفسي فقد طور أدلر نظريته الخاصة حيث ربط القلق بمشاعر العجز والنقص مبرزا أهمية العوامل الاجتماعية في تأكيد ذلك ، وخاصة الأسرية منها كالتدليل الزائد للطفل أو نبذه والترتيب الميلادي يمكن أن تزيد من مشاعر العجز وحدة القلق.

فكان ادلر يؤمن بالتفاعل الدينامي بين الفرد و المجتمع ، و هذا التفاعل يؤدي إلى نشأة القلق ، و يرى أن الطفل يشعر عادة بضعف و عجز بالنسبة للكبار و البالغين بصفة عامة ، و للتغلب على هذا العجز يسلك طريق السوية ، فالإنسان السوي يتغلب على شعوره بالنقص و القلق عن طريق تقوية الروابط الاجتماعية التي تربط الفرد بالآخرين المحيطين به ، و يستطيع الفرد أن يعيش بدون أن يشعر بالقلق إذا حقق هذا الانتماء إلى المجتمع الذي يعيش فيه .

تفسير القلق عند إيريك فروم :

ظهرت نظرية فروم والحاجات الأساسية والمتمثلة من وجهة نظره في الحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى الارتباط بالجذور والحاجة إلى الهوية والحاجة إلى إطار توجیهی، حيث يؤكد فروم بأن هذه الحاجات الإنسانية جزء من طبيعة الإنسان ولازمة لتطوره وارتقائه مؤكدا إعاقة الظروف الاجتماعية السيئة والصراع الاجتماعي لإشباعها حيث يقود ذلك إلى القلق ومن ثم الاضطرابات النفسية ، و يرى فروم أن الطفل يقضي فترة طويلة من الزمن معتمدا على الكبار و خاصة والديه ، و هذا الاعتماد يقيده بقيود يلتزم بها حتى لا يفقد حنانهما .

و بازدياد نمو الطفل يزداد تحرره و اعتماده على نفسه و يسمي هذه العملية بالتفرد ، غير أن هذه القيود الأولية والشعور بالاعتماد على الوالدين إنما يعطى للطفل شعورا بالأمن و بالانتماء إلى الجماعة ، والاستقلال يهدد هذا الشعور بالأمن الذي يولد شعورا بالعجز و القلق نتيجة ما يود إنجازه من الأعمال وعدم اكتمال قدراته الإنجازه هذه الأعمال.

و هكذا يرى فروم أن القلق ينشا عن الصراع بين الحاجة للتقرب من الوالدين و الحاجة إلى الاستقلال ، ويری فروم أن بعض الإمكانات تقابل بعدم الاستحسان و الرفض من أب قاس أو مجتمع خاص في بيئة الطفل ، و يضطر الطفل تحت هذه الظروف إلى كبث إمكاناته ، و يصبح إظهارها عاملا مؤديا إلى ظهور القلق ، لأنه يرى فيها تهديدا لعلاقته بوالده  .(3)

الخلاصة

من خلال التطرق الى تفسير نظرية التحليل النفسي لاضطراب القلق فإنه يمكن القول بأن التحليليين يربطون ظهور الاضطرابات النفسية و منها القلق بخبرات الفرد المؤلمة المعيقة للنمو السوي كنتيجة لسيطرة بعض الرغبات المكبوتة و ضعف نمو الأنا.

المصادر و المراجع

(1) محمد حيدر الحبر الطيب ، اساليب قياس القلق النفسي و طرق علاجه .كلية التربية جامعة القران الكريم و تاصيل العلوم ، العدد الاول .2015

(2) حلاسي فاطمة الزهراء و اخرون ،القلق لدى المراهقات المسعفات دراسة ميدانية لثلاث حالات بهيليوبوليس قالمة . شهادة ليسانس علم النفس العيادي .جامعة 8 ماي 1945 قالمة .2017

(3)الساسي كريمة ، الاكتئاب و القلق لدى عينة من المتاخرات عن سن الزواج ،مذكرة ماجستير علم النفس الاجتماعي ، جامعة الجزائر بوزريعة ،2010

وفي موضوع ذات صلة يمكنك الاطلاع على رسالة دكتوراه عن القلق pdf


باحث علم النفس
باحث علم النفس
تعليقات